المواقع الأثرية في قطاع غزة
يحتوي قطاع غزة المتربّع على مساحة تقدّر بـ 360 كم مربع على 17 موقع أثري تم التعرّف عليها لحد الآن. من بينها عاصمة غزة القديمة، مدينتان سكنيتان قديمتان مهمتان، بيت لاهيا – بيثيليا، ورفح – رافيا، ثلاث مواقع مرفئية رئيسة تل رقيش، مايوماس والبلاخية-أنثيدون كما نجد أحد أكبر أماكن الحج المسيحي في المنطقة، دير سانت-هيلاريون في أم العمر – ثاوثا. والتراث الأثري الغزّي مهدّد اليوم بتزايد النسبة الديموغرافية الأعلى في العالم (757 428 1 ساكن في يوليو 2006، نسبة نمو سكاني سنوية تقدّر بـ 3.71%، و 48.1% من السكان تقل أعمارهم عن 15 عاما).
يمثل ساحل غزة شريطا طوله 38 كم، تتغير طوبوغرافيته بسبب تقلب مستوى البحر، والترسبات الآتية من النيل والوادي، ومن حزام الكثبان الرملية المتاخمة.
مع التزايد المنتظم للخلجان والمصبّات، أثرت الترسبات على الساحل لتؤدي مع الوقت الطويل إلى هجر السكان للتجمعات السكانية التي تعود إلى العصر البرونزي مثل تل السكن، تل العجول، هذه التي حُرمت من مدخلها البحري والتي انحصرت في الأرض.
وبما أن القرب من البحر ضرورة أساسية، باعتباره مصدرا مباشرا للغذاء والعوائد التجارية، فإن التجمعات السكانية التي تعود إلى القرن الأول قبل الميلاد مثل تل رقيش، البلاخية – أنثيدون كانت تقع مباشرة على التلال الرملية الساحلية.
وإن كانت التيارات والرياح قد حمت هذه التجمعات من الدفن في الرمال، فإنها لا تزال تحت رحمة خطر مباشر جدا : الكثبان الرملية الحية.
تتحرك هذه الكثبان المكونة من الرمل الناعم في اتجاه الرياح المسيطرة، تصعد حبات الرمل على الجهة المقابلة للريح من الكثيب بفعل الرياح إلى القمّة ثم تنحدر على شكل انهيار رملي في الجهة المقابلة للريح وهي الجهة الأكثر حدة.
كشف التنقيب في موقع أنثيدون عن صراع سكان الحي الهيلانيين ضد كثيب رملي حي : في القرن الثالث الميلادي، بنى الأهالي جدارا طينيا مليئا بالرمل للحدّ من التقدم المحتوم للكثيب الرملي. وكانت نتيجة هذه المعركة الهائلة قاتلة بالنسبة للسكان الذين اضطروا إلى المغادرة وإعادة بناء مدينتهم تجاه الشمال.
.
غزة ومصر الفرعونية
في النصف الثاني من الألفية الرابعة قبل الميلاد، قبل إقامة الدولة الفرعونية،
استقر مستوطنون مصريون في الموقع المحصن المعروف باسم تل السكن. وقد سيطروا على
مداخل سيناء وعلى التجارة القادمة منها. وقد كان مصدر معظم المواد المعثور عليها
بالتنقيب هو وادي النيل. في عهدي الامبراطوريتين القديمة والوسيطة (الألفية
الثالثة)، أصبحت السيطرة المصرية على غزة غير قوية : فقد وجد الفراعنة الوسطاء
اللازمين لعلاقاتهم التجارية الجيدة مع آسيا.
في بداية الألفية الثانية، هزت مصر أزمات سياسية حادة. فقد استوطن الهكسوس أطراف
سيناء وفرضوا سيطرتهم على شرق الدلتا. ثم اندثرت هذه السيطرة مع أوائل حكام الأسرة
الحاكمة الـ 18 (القرن 15 ق م ) الذين طوروا امبراطورية استعمارية في كل الشرق
الأوسط. بالقرب من مدينة غزة الحالية، كانت تل العجول مرحلة مهمة من سياستهم
التوسعية.
مع انهيار الامبراطورية الجديدة (نهاية القرن 11 ق م )، أصبح الحضور المصري مشتتا
تبعا لانتصاراتهم العسكرية المتتالية. ومع ذلك فقد شجع التأثير الفرعوني القوي
(التجارة، الدين، السحر، إلخ) والجوار الجغرافي على تطور التبادلات الثقافية وتقليد
النماذج.
غزة بين الامبراطورية الآشورية و العالم الإغريقي
في بداية العام 734 ق م، استولت الإمبراطورية الآشورية على المنطقة وجعلت من غزة
حدّها الجنوبي، ثم مُحي هذا الحدّ بفعل التوسع الغير مسبوق للإمبراطورية الفارسية
عام 539 ق م. ومنذ ذلك الحين عرفت النهضة التجارية في غزة ازدهارا كبيرا : فهي نقطة
الربط بين طرق القوافل التي توصل البخور والفلفل الأسود القادمين من اليمن وهي التي
تفتح الطريق أمام المواد الأولية الفلسطينية، وقد كان في المدينة عدة موانئ شهدت
نشاطا غير مسبوق.
في أوج التبادلات البحرية، لم يتأخر الإغريقيون – على الأخص إغريقيو بويسي – في
إنشاء المدينة المرفئية أنثيدون فلسطين (البلاخية) التي تبعد 4 كم عن غزة وذلك عام
520 ق م.
سيدوم ازدهار غزة هذا لأكثر من ألفية كاملة، فالمدينة أصبحت ملتقى حضارات بين
القوافل العربية النبطية ومصر والمشرق وسوريا والعالم الإغريقي الذي يؤثر بفنونه
تأثيرا كبيرا على هذه الأرض المميزة.
غزة وروما
لم يستطع الاسكندر الأكبر عام 332 ق م و لا الاسكندر جاني عام 96 قم تحطيم غزة التي
انبعثت من الرماد تحت حماية بومبي عام 57 ق م. لتظهر روما على أنها المُصلحة لشرق
مزقه الطغاة.
وقد تم ضمّ غزة إلى الضاحية الرومانية السورية لتستفيد من حكم إداري روماني بحت.
على المستوى الأثري، قليلة جدا هي البقايا التي عثر عليها حتى اليوم. ومع ذلك، فإن
بعض القطع المعمارية وبعض بقايا التماثيل الضخمة تشهد على الحلية المعمارية التي
اكتستها المدينة والمناطق السكنية التابعة لها.
طوّرت هذه المدينة المزدهرة زراعة كروم العنب وجعلت منها تجارة رئيسية ليصبح النبيذ
الغزّي الأكثر طلبا في كل الإمبراطورية الرومانية. كما أننا نجد القوارير الغزية
الطويلة ذات القاعدة الدائرية في كل المحيط المتوسطي. في روما، ازداد استخدامها
بعدد كبير من بداية الحقبة الفلافية (عهد الامبراطور فلافيان). وقد أصبح الإشعاع
الثقافي لغزة ملموسا وحاضرا، كما يشهد على ذلك وجود معبد للديانات النبطية في
بوزيولي قرب نابولي.
غزة في العصر الحديث
في فبراير 1977، بعد الاحتلال الفرنسي للقاهرة، غزا بونابرت غزة
باعتبارها مدينة مهمة للسيطرة على مصر لكنه ما لبث أن تركها في نفس العام بعد
هزيمته في عكا.
في بداية القرن التاسع عشر سقطت غزة وفلسطين في يد محمد علي الذي هزم عام 1840 في
معركة ضد العثمانيين قرب غزة. في هذه الفترة، كان العديد من الزوار الغربيين يزورون
المواقع التاريخية والأثرية في غزة.
بقيت غزة تحت الحكم العثماني إلى عام 1917 حيث سقطت تحت يد الجيش البريطاني بقيادة
الجنرال ألمبي لتبقى تحت الانتداب البريطاني إلى عام 1948.
خضعت غزة للإدارة المصرية بين 1948 و 1967 (إلا لبضعة أشهر تحت الاحتلال الإسرائيلي
إبان أزمة السويس عام 1956).
1967 : الاحتلال الإسرائيلي لغزة
1987 : اندلاع الانتفاضة الأولى
18/5/1994 : تغادر الفرق الإسرائيلية مقرها الرئيسي في قلب مدينة غزة وتستقر فيها
السلطة الفلسطينية.
2000 : اندلاع الانتفاضة الثانية.
2005 : إخلاء المستوطنات الإسرائيلية من غزة.
الدين المسيحي في غزة
كانت منطقة غزة قديما أهم ملجأ للرهبنة. في بداية القرن الخامس، حسب مارك لوديارك،
كان عدد الرهبان القاطنين في مدينة غزة وأكنافها يقدر بالآلاف. وقد سمحت الاكتشافات
الأثرية بإثراء وتدقيق الصورة التي رسمتها النصوص الأدبية. فأرض غزة لم تكن صحراوية
أبدا، لقد كان الزهّاد يمارسون فيها البستنة وزراعة العنب. لقد كانوا يعيشون في
"الصحراء" عُبّادا.
يمكن التمييز بين ثلاثة فترات زمنية كبيرة : زمن المؤسسين، كان النفوذ فيه لشخصيات
كبيرة من الزهاد الذين ترعرعوا في بيئة معظمها من الوثنيين (القرن الرابع – بداية
القرن الخامس)، زمن الانشقاق ضد (الكلدانية) (النصف الثاني من القرن الخامس، بداية
القرن السادس)،زمن قانون ونهضة الحياة الرهبانية (القرن السادس).
ترك كُتّاب غزة المسيحيون كمية كبيرة من النصوص والشهادات المتعلقة بالحياة الدينية
لبدايات الكنيسة، بلغة إغريقية قوية.
غزة من بعد الفتح الإسلامي
حسب المؤرخين المسلمين كالإستخري المتوفى عام 957 والمقدسي المتوفي عام 990، فإن
عمر ابن الخطاب، الخليفة الثاني، قد عاش وجمع ثروة في غزة قبل ظهور الإسلام. لقد
كانت مدينة غزة سوقا كبيرة لأهل الحجاز. في إحدى إقاماته في غزة، توفي هاشم بن عبد
مناف جد الرسول صلى الله عليه وسلم ودفن فيها.
عام 634، توجه الجيش الإسلامي إلى فلسطين. فتحت المدينة عام 637. كانت السيطرة
الإسلامية سريعة وسلمية. من المحتمل أن تكون العلاقات القوية بين غزة وشبه الجزيرة
العربية هي التي قد ساهمت في تسهيل الفتح الإسلامي.
كان مركز المدينة يقع تحت سيطرة الجامع العمري الكبير، جامع عمر بن الخطاب الخليفة
الثاني (634 – 644) والذي أسلم في عهده معظم السكان. كما منح المسيحيون حق استخدام
الكنيسة التي أسسها القديس بورفير عام 406.
أصبحت اللغة العربية لغة مسيطرة، ومع ذلك بقي استخدام اللغتين الإغريقية والأرمينية
شائعا في بداية العصر الإسلامي، بالنسبة لمسيحيي غزة، استمرت اللغة الإغريقية كلغة
ثانية إلى اليوم.
خلال الفترة المملوكية (1250 – 1517)، أصبحت غزة عاصمة مقاطعة سوريا الكبرى.
عام 1516، في حكم سليم الأول، تم ضم غزة إلى الامبراطورية العثمانية.
الموجودات النقدية في غزة
بدأت غزة، كما فينيقيا ومصر، في إنتاج قطعها النقدية في وقت متأخر. في القرن الخامس
قبل الميلاد، كانت الفضة المصكوكة تأتي من أثينا. في نهاية القرن، بدأ تقليد نموذج
النقد الأثيني في غزة وفي غيرها.
بالتوازي مع النقد الأثيني، كانت غزة تنتج عملات بنقش جذع الحصان والإله بيس. إن
الآثار التي وجدت في غزة تشهد بشكل كبير على هيلانية الساحل الفينيقي والفلسطيني.
نذكر أنه كانت توجد عملة تنسب إلى الملك إيفاغوراس الأول دو سالامين (قبرص،
411-375/4) الذي حارب الفرس للتأكيد على استقلال الإغريق في قبرص.
تشهد الآثار التي تم العثور عليها في الحقبة الهيلانية على سيطرة البطالمة على
المنطقة. وقد ذهب هؤلاء إلى حد صك عملة نقدية خاصة في غزة قبل أن تصك المدينة عملات
خاصة بها إثر الغزو الروماني (57 ق م ).
استمر صك النقود في عهد كل الامبراطورات إلى منتصف القرن الثالث الميلادي. كانت هذه
العملات تركز على الآلهة الحامية للمزارات والمقامات الهامة في غزة مثل : مارناس،
تيشي، أرتيميس، هيراكلس، أو أنها كانت تربط تأسيس غزة بأهل جزيرة كريت وبرحلات
هيراكلس. وقد مثّل قدوم هادريان الذي أقام في غزة من 129 إلى 130 ميلادي افتتاحا
لقرن زاهي لصك العملات الرومانية في هذه المدينة، والذي انتهى نهائيا في 240/241
تحت حكم الامبراطور غورديان الثالث.
يظهر الصليب المعقوف الغير مكتمل (سفاستيكا)، الذي يدل على حرف الميم الفينيقي، على
ظهر العملات في عهد أوغست وأسرة السيفير (أسرة حاكمة رومانية من أصل بربري). وقد
شكل هذا الرمز عنصرا مميزا وعلامة احترافية لغزة.
كنز البلاخية
في نهاية القرن الرابع ميلادي، تعرض سفينة لعاصفة أغرقتها بحمولتها أمام
ميناء أنثيدون. وقد بقيت قربة جلدية - غرقت مع السفينة - قرونا تحت الماء. ومع
التفاعل الكيميائي التصقت القطع النقدية التي كانت بداخلها الواحدة بالأخرى قبل
ذوبان الجلد.
تمثل الـ 20000 قطعة نقدية – التي تزن 32.5 كغ – والتي تشكل الكنز المذكور قطعا
نقدية رومانية نحاسية مخصصة لتسهيل تجارة المفرق في منطقة غزة. وتعود إلى النصف
الثاني من القرن الرابع الميلادي.
غزة من نهاية الامبراطورية الرومانية إلى الحقبة الاسلامية
|